الكلمة التأطيرية

الكلمة التأطيرية لمعالي الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدّين


فخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية،

فخامة الرئيس أداما بارو، رئيس جمهورية غامبيا،

معالي الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري،

أصحاب المعالي والفضيلة، كل باسمه وجميل وسمه، 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، 


فخامة الرئيس، يسعدني في مستهّل كلمتي هذه أن أتقدم باسم الحاضرين بجزيل الشكر لفخامتكم، ولحكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، على الرعاية الكريمة لهذا المؤتمر.

كما نرحب بضيف الشرف لهذه السنة فخامة الرئيس أداما بارو في شخصه الكريم، وفيما تمثله جمهورية غامبيا، الدولة الإفريقية الشقيقة والصديقة من نموذج جميل يستحق التقدير والتبجيل.

فخامة الرئيس، إنني إذ أبلغكم تحايا أخيكم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أودُّ التأكيد على أن أشقاءكم في الامارات يشاطرونكم الاهتمام الكامل والعمل الدائب معكم لإيقاف الحرب الهمجية على أهلنا المستضعفين في غزة، كما يقومون بجهود حثيثة من أجل إيصال المساعدات إليهم، وتوفير سقيا الماء والغذاء والدواء. ومن ذلك ما تم من إنشاء محطة تحلية لمياه البحر لسقيا الألاف من ساكنة غزة، وتدشين مستشفى ميداني لعلاج الجرحى والمصابين، واستقبال الالاف من الأطفال المصابين وذويهم وأصحاب الأمراض المستعصية للعلاج في الامارات. سائلين المولى القدير – سبحانه وتعالى- أن يكلِّل تلك الجهود بالنجاح، وأن يكشف الضرّ ويكفّ الشرَّ ويُنزل لطفه وينشر رحمته، إنه وليٌّ ذلك والقادر عليه.

كما يسرني في مستهل هذه الكلمة أن أحيي المشاركين في هذا المؤتمر من قادة وعلماء ووجهاء على تلبية الدعوة، متمنياً لكم مقاما سعيداً وأوْبا حميداً.


سياق المؤتمر:

أيها العلماء الأفاضل والجلة الأماجد،

لماذا هذا المؤتمر؟ ولماذا اختيار هذا الموضوع على وجه التحديد؟ ثم كيف نقدم نتيجة أقرب إلى العملية لفائدة مشروعنا القديم المتجدد، مشروع السلم الأهلي في ربوع قارة أحوج ما تكون للسلام والارتفاع عن وهدة الاحتراب والخصام؟

ملتقانا هذه السنة محطة جديدة على دروب السلام، التي سلكها المؤتمر الإفريقي في بحثه الدائم عن أسباب الوئام والأمن، والعافية والسكينة، متنقلاً بين الموضوعات، ومتحرياً أفضل المقاربات، بدءا من المؤتمر الأول في يناير 2020، الذي ارتكز على "دور الإسلام في إفريقيا: التسامح والاعتدال ضد التطرف والاقتتال"، مرورًا بالمؤتمر الثاني في فبراير 2022 بعنوان "بذل السلام للعالم"، وصولاً إلى المؤتمر الثالث في يناير 2023 تحت شعار "ادخلوا في السلم كافة".   

وهكذا جاء اختيار موضوع هذا المؤتمر ضمن بحثنا عن معززات السلام وأسباب الوئام من خلال تناول أحد أهم مرتكزات مقاربة السلم وهو مرتكز التعليم والتربية، انطلاقا من قوله تعالى: (رْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وقوله صلى الله عليه وسلم (وإنَّ المَلائكةَ تَضَعُ أجنِحَتَها لطالِبِ العِلْمِ رِضًا بما يَصنَعُ)، إذ التعليم هو أهم وسيلة لغرس ثقافة التسامح في النفوس وبناء قيم السلم والتصورات الإيجابية التي تضبط وتكبح جماح النفوس الميالة إلى العنف، فالتطرف والعنف كثيراً ما ينشآن من ضعف العلم، وضعف التربية، وضعف الحال... هذا الثلاثي من الجهل، والجهالة، والفقر. 

وقد اخترنا على وجه الخصوص التركيز على ما أبدعته التجربة التاريخية للمجتمعات الإفريقية من مؤسسات تعليمية أهلية، كانت وما تزال في كثير من الأحيان جذورا للمعرفة المؤصّلة وجسورا للتواصل والتعايش السعيد، وحصونا منيعة في وجه الغُلو والتطرف، وحواضن لقيم السلم والأخوة، وروافد للهوية الإفريقية الإسلامية الأصيلة. 


وهكذا سيكون حديثنا في هذه الكلمة حول ما يلي:

أولاً: السياق التاريخي للتعليم العتيق.

ثانياً: حال التعليم العتيق في الوقت الراهن.

ثالثاً: تساؤل حول مستقبل التعليم العتيق ومقترحات لاستدامته. 


أولا: السياق التاريخي

إننا نقصد بالتعليم العتيق في هذا السياق، أساليب وممارسات التعليم والتربية التي أسهمت في نقل المعرفة وتشكيل الثقافة في المجتمعات على الطريقة التقليدية في تدريس العلوم وبناء المعارف في مختلف المستويات، مهما كانت التسمية كجامعة كما في الأزهر والقرويين والزيتونة أو تحت عناوين الخلاوي والزوايا والمحاظر أو دارا في دول أخرى.

وهذا التعليم العتيق، هو تجسيد لإرث ممتد من حلقات تعليم القرآن في المسجد على طريقة أبي الدرداء رضي الله عنه في مسجد دمشق، وحلقات الحديث والفقه في المسجد النبوي الشريف والحرم المكي. ولذا فإن تاريخ التعليم العتيق في القارة الافريقية بامتداد حضور الإسلام فيها، ضارباً خيامه ورافعا أعلامه في أرجائها، تدريسا للدين، وتزكية للمؤمنين. وهكذا فلم ينته القرن الأول الهجري، الا ومدارس العلم وحلق الذكر، تنتشر في كثير من أنحاء القارة، كما تنتشر الأزهار في الرياض، ويفوح عبيرها في الآفاق علماً نافعاً وعملاً صالحاً. 

"وبعدُ فالعلمُ أهمُ ما الهِممْ ... تنافَسَتْ فيهِ وَخَيرُ مُغتنَمْ"

وهكذا بدأت حلق العلم في مصر، ومجالس المعرفة في القيروان، وتبعتهما مدائن القارة بين عالم ومتعلم، وفقيه ومحدث ومتكلم. وسارت مدارس التعليم العتيق في القارة من شرقها إلى غربها مسير النهر العظيم تنمو على ضفافه الدافق المعارف، وتنبت على جوانبه القيم والأخلاق. وكان النهر في مسيره يتسع في مراحل فيكون كأنه بحيرة كبرى ويضيق في مناطق حتى كأنه بركة صغرى، متفاعلاً متلوناً بلون تربته، وفياً لمنبعه. وهكذا كانت مراكز التعليم العتيق منها الجامعات التي تدرس مختلف العلوم والفنون (كالأزهر، والزيتونة، والقرويين وتمبكتو وولاته وشنقيط)، ومنها المحاظر والمدارس المتوسطة، ومنها الكتاتيب وحلق التعليم الأساسي، وفق مسيرة الزمان والمكان، وقد يتحول الكُتّاب في زمن إلى جامعة عامرة، والجامعة إلى كُتّاب في زمن آخر...في صيرورة دائمة وحركة دائبة!

ولقد ظل التعليم العتيق لقرون المصدر الأوحد للمعرفة الدينية والدنيوية في القارة الافريقية. فكانت تُدرّس في مدارسه العلوم والمعارف بشتى فروعها، من علوم الشرع إلى الحساب والفلك، بل يُدرِّس الطب كذلك، كما في الوثيقة الشهيرة لإجازة الطبيب صالح الكتامي من القرويين بمدينة فاس في القرن السابع الهجري. هذا بالإضافة الى اختصاص بعضها بالتربية والتزكية. 

ومع تعدد العلوم والمعارف، تعددت طرق التدريس وطقوسها، فمن قاعات للدرس في مقار معدة لذلك، إلى الدراسة في سوح المساجد وأروقتها، إلى التدريس تحت أشجار الدوم، أو في جامعات متنقلة تنتجع الخصب على ظهور الدواب والنجائب:

"قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة ً**بها نبينُ دينَ الله تبيانا"

في مظهر جميل من مظاهر "البادية العالمة"!


ولقد تميزت هذه المدارس والمراكز بمزايا ومواصفات ومنها: الحرية والمجانية والمساواة والشمولية.

1. الحرية: فطلاب التعليم العتيق أحرار في اختيار العلم والفن الذي يدرسونه والمنهج الذي يفضلونه والشيخ الذي يتلقون على يديه، والفترة التي يقضونها.

2. المساواة: المدارس العتيقة لا يسأل فيها الإنسان عن نسبه ولا عن حسبه، بل لكل أحد الحق في الانتماء إليها، كل بحسب مقدرته وموهبته، ولذا تنمحي الفوارق الطبقية، فالذي يتفوق تصبح له مكانته المتميزة دون النظر إلى خلفيته الاجتماعية، كما أن فوارق السن لا تأثير لها فالشيخ الكبير قد يجلس مع الغلام الصغير يدرسان نفس الدرس، كما يتصدر الشاب الحدث الذي شهد له بالكفاءة.

3. المجانية: مراكز التعليم العتيق في غالبها لا تأخذ رسوما من منتسبيها فالموسر من الطلبة ينفق على نفسه والمقتر (الغريب) ينفق عليه الشيخ أو زملاؤه أو أهل الحي.

4. الشمولية: فهذه المدارس إلى جانب تدريسها للعلوم والمعارف فإنها تربي الطلبة على الأخلاق الفاضلة، والاعتدال في السلوك وحسن السمت. كما تربيهم على تقاليد قومهم ومجتمعهم فهي من هذه الناحية مصدر من مصادر الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات المحلية.

لكن أهم مزايا هذه المدارس هو استيعابها لمختلف القبائل والأعراق دون تمييز ولا تنغيص في تعايش سعيد، يربي على الأخلاق والفضائل، ويساهم في السلم والعافية.

فإلى جانب الثمرة العلمية والمعرفية الجلية للمدارس العتيقة فإن من أهم نتائجها الهامة كمؤسسة تعليمية هو الحفاظ على السلم الأهلي وتعزيز الاعتدال والوسطية وذلك من خلال مناهجها التقليدية المتفق عليها بين المسلمين وطريقتها البعيدة عن الايدلوجيات الوافدة، وتركيزها على العلم والتعليم، فالعلم والمعرفة يعينان في الغالب على البعد عن الغلو والتطرف، يضاف إلى ذلك أن كثيرا منها يعنى بالتربية الروحية والتي تحصن سالكيها من آفات الكراهية ومخاطر الإرهاب. 

إنها قصّة نجاح حضاري متجدّد أمدَّ المُجتمعات المُسلمة بالمرجعيات المأذونة شرعا والمأمونة فكرا ومنهجا، وبالوعي الديني المعتدل. 


ثانيا: السياق المعاصر

المشاركون الأفاضل،

لكن؛ ما هو واقع هذه المؤسسات التعليمية اليوم؟ ما هي وضعية المناهج؟ ما هي صلتها بمؤسسات التعليم العصرية من جهة وبالواقع المعاصر (قضاياه ومستجداته وتعقيداته) من جهة أخرى؟


لقد شكل دخول نظام التعليم الحديث في سياق تاريخي معروف (منذ القرن السادس عشر الميلادي على تفاوت بين دول القارة، وبعضها دخله فقط في القرن التاسع عشر أو العشرين)، بداية انحسار للتعليم العتيق في ظل تغيير البيئة الاجتماعية الحاضنة له، واختلال الدورات الاقتصادية التي كانت تمده بالموارد، وعزوف نسبة من الطلبة عنه استجابة لسوق العمل الذي يستوعب بالدرجة الأولى حاملي الشهادات العصرية. 

ولم يزل التفاعل قائما بين التعليم الحديث منذ دخوله القارة وبين التعليم العتيق، تنافساً في أحيان، وتغالباً في أحيان أخر، ومحاولة للتطوير الطوعي أو القسري، فنجحت محاولات، ولم تنجح أخرى، وفق عوامل سياسية واجتماعية متعددة تحكم طيف المتجمعات الافريقية المتعددة. 

ولقد نشأت مراكز التعليم العتيق في بيئة تقوم على توازن مجتمعي معين، وتضامن تقليدي، سمح لهذه المدارس أن تنمو نموا طبيعيا وذاتيا.

وعلى العكس من ذلك، تغيرت البيئة في نطاق العولمة بفعل الوسائط الإعلامية والاتصالات. كما أن التوازن الاجتماعي الوظيفي اختل مع الوقت، وكذلك فإن التوازن التقليدي الذي كان يسمح باستيعاب أبناء المدارس العتيقة في سوق العمل لم يعد منتظما في ظل طلبات ملحة لسوق العمل على تخصصات أخرى.


على أنه ما زال لهذا التعليم العتيق وجوده وجهوده في المجتمعات الافريقية، ومازالت نسب معتبرة من الناشئة تدرس في مدارسه إما أصالة وإما عبوراً وإما بالتوازي مع الدّراسة في المدارس العصرية، وتقدر بعض الإحصاءات نسب المنتسبين له سواء في صيغه الرسمية أو الأهلية في بعض دول غرب إفريقيا في حدود 30% من الناشئة الذين في سن التمدرس. وليس أدل على ذلك من وجود العشرات من طلبة هذه المدارس العتيقة من دولة غامبيا الشقيقة بيننا اليوم.   


وإذا كانت هذه المراكز قد أسهمت في الماضي والحاضر القريب فيما ذكرناه من اعتدال وضمان للسلم المجتمعي فإن الحاجة اليوم إليها أعظم. 

" لكنه لكل دهر قوم** والدهر منه أمسه واليوم"


ثالثاً: مستقبل التعليم العتيق

أيها السادة الأجلاء، 

واليوم ونحن نبحث التعليم العتيق ونبحث بعثه واستدامة إشعاعه المعرفي، نتسأل عن حاضره ومستقبله، عن كيف يمكن أن يستمر في أداء دوره والقيام بواجباته، وكيف يمكن أن يظل دعامة من دعائم السلم والعافية والسكينة؟ وكيف يمكن أن يسهم في استباب الامن ونشر العلم؟ كيف لهذا التعليم أن يبقى مناسباً أو ملائماً في عصر الذكاء الاصطناعي وثورة التقنيات والاتصالات؟ هل يمكن أن يستفيد من هذه الأدوات لدعم وتطوير منظومته؟ 


هل يمكن أن يكون مكملاً للتعليم الحديث بالاستفادة من وسائله وأساليبه وإفادته بمنهجيته الشمولية في التربية والتعليم؟ في تكامل وتعايش سعيد بين العتيق والجديد.


وأخيراً، كيف يمكن أن يحقق التعليم العتيق وسائل استدامته من خلال تطوير أطره البشرية (تعليماً وتأهيلاً)، وموارده المالية (تحصيلاً وترشيداً)، وعلاقته بالسوق من خلال المؤسسات المستقبلة لطلبته وخريجيه تدريباً وتوظيفاً. إن الإجابة على هذا الثلاثي: الكادر البشري والمورد المالي والتوظيف هي أكبر التحديات التي تواجه استدامة هذا التعليم.  


وفي هذا المقام، فلن أقدم إجابات تدعي الكمال، وإنما مقاربات على سبيل المثال:

أولا: المورد البشري: 

إن القائمين على التعليم العتيق حصّلوا علومهم بجهود شخصية وأسرية، في بيئات متباينة، لم يتلقوا خلال ذلك كله تدريبا في مؤسسات عصرية ولم يخضعوا لتأهيل تربوي حديث، مما يستدعي عملاً وتَعمُّلاً وقد يكون من المعين على ذلك التعاون مع بعض الجامعات والمعاهد والجهات العلمية العصرية، لإعداد دراسات استقصائية تحدد الاحتياجات التدريبية والتطويرية لأساتذة التعليم العتيق وتقترح وسائل التأهيل والتدريب وتعقد الشراكات مع الجهات الملائمة للقيام بالبرامج والدورات اللازمة. 


ثانياً: المورد المالي: 

وهذا المورد ضروري لمشاريع التعليم العتيق، وإن كان هذا التعليم في الأصل قائماً على التضامن الاجتماعي الطوعي، ومن خلاله كان الإنفاق على اساتذته وطلبته متحصلاً، فإن تبدل الأحوال وتغير الزمان يفرض واقعا جديدا، ويقتضي وسائل مختلفة. والتجربة التاريخية تدل على أن الدعامة الكبرى والمورد الثرّ هو الوقف الذي هو مؤسسة من أهم المؤسسات في التاريخ الإسلامي. فالأوقاف على تنوع مصدرها سلطانية أو أهلية كانت هي الرافد الأبرز لدُوُرِ العلم الكبرى في التاريخ الإسلامي. وقد تعجبون أن الأوقاف الآن في ديار الغرب تلعب الدور نفسه فهي أهم دعامة وأكبر رصيد للجامعات ذات الشهرة في العالم سواء في أمريكا أو بريطانيا على سبيل المثال. 

وبالإضافة للأوقاف التي هي مورد هام، هناك مورد أخر هو الزكوات، فمن العلماءِ من يقول إن المؤسسات التعليمية داخلة في سهم "في سبيل الله"، وهو قول القفّال وغيره من متأخري فقهاء الشافعية، وبه أفتى كثيرٌ من العلماء المتأخرين، والذي يمكن أن نقول به بلا تردد أن أساتذة وطلبة هذه المدارس أولى بالزكاة من غيرهم، إن كان فقراء قطعاً، وإن كانوا أغنياء على رأي، والخلاف في هذا مذكور في كتب الحنفية والمالكية كما قرره الزرقاني ورد عليه البناني وتعقّب رد البناني الوزاني. وهكذا يمكن أن نتصوّر مبادرة بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة في كل بلد لتطوير هذه الموارد المالية وحسن تدبيرها وإنفاقها. 


ثالثاً: المأسسة والتوظيف:

وهذه حاجة يمليها العصر وتقتضيها مصلحة المدارس والمجتمع. ومن هنا فمن الضروري أن يتوصل القائمون على مراكز التعليم العتيق مع إخوانهم في القطاعات الحكومية المعنية في كل دولة إلى صيغ قانونية موائمة تؤطر عمل هذه المراكز والمدارس وتنظمه، وتحفظ لها خصوصيتها ومزاياها. صيغاً تفتح لهذه المدارس ومنسوبيها فرص الاستفادة من تمويلات الدولة وتسهيلاتها، وتتيح الالتحاق بالجامعات والمعاهد لطلابها وخريجيها، كما تساعد على تطوير طرق الإدارة في هذه المدارس والإشراف عليها. 

وإلى جانب ذلك، ينبغي الوصول إلى صيغة تساهم في الاستفادة من خريجي هذا النوع من التعليم في سوق العمل. إما مباشرة أو من خلال برامج تدريبية وتأهيلية مُصَممة لهم، وذلك بالتنسيق مع القطاعات المحتاجة إليهم، من قطاعات الائمة والمؤذنين، والقضاء والتعليم، ومختلف قطاعات سوق العمل الأخرى، وجهات العمل الخاص والحر. 

في سياق تنمو فيه مدارس التعليم العتيق مُوائمة بين الأصالة والمعاصرة، ومشاركة في الازدهار والتنمية، ومستمرة كوسيلة من وسائل السكينة في المجتمع والمحافظة على قيم الإسلام الحنيف، قيم التسامح والاعتدال بعيداً عن التطرف والغلو.


إننا نتطلع إلى أن يثري نقاشكم خلال أيام المؤتمر هذه المواضيع، وتخرجوا لنا بتوصيات علمية وعملية تسهم في تحقيق المراد. 


أجدد شكري لفخامة الرئيس السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر، وأدعو الله أن يحفظ الأوطان، وينشر الأمن والأمان، ويصلح الأعمال، ويحقق الآمال، وأن يجعل اجتماعنا اجتماع خير وأن يكلِّله بالنجاح والتوفيق. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.